وكالة أنباء موريتانية مستقلة

خبراء يحللون انتشار “الجهاديين” في غرب إفريقيا

جاء خطف أكثر من مائتي تلميذة في شمال نيجيريا بواسطة جماعة “بوكو حرام”، وقبل ذلك تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية في العديد من دول غرب إفريقيا- والذي يُعتبر نتيجةً مباشرةً لتطور وتشابك الجماعات الجهادية- وتعقّد المشهد في غرب إفريقيا أكثر بعد تدخل القوات الفرنسية في مالي في يناير 2013، لمنع سقوط العاصمة باماكو في أيدي الإسلاميين، ليضاعف من قلق الغرب من ظاهرة استشراء وتوغل نفوذ الأفكار الجهادية الإسلامية المتطرفة في دول غرب إفريقيا، وبدأت الدول الغربية تستشعر خطر تمدد الحركات الإسلامية في غرب إفريقيا جنوب الصحراء، وشرعت في بناء تحالف مشترك للتصدي للجماعات الإسلامية في غرب إفريقيا، وهذا ما تم الاتفاق عليه في 17 مايو الماضي في اجتماع  بالعاصمة الفرنسية باريس بين دول غرب إفريقيا من جانب ودول غرب أوربا والولايات المتحدة من جانب آخر.

فضلًا عن أن الكثير من المعاهد البحثية ومراكز الدراسات في أوربا، اهتمت بدراسة تطور الحركات الإسلامية في غرب إفريقيا عقب الأحداث الأخيرة في غرب إفريقيا بعد انحصار “الإسلام الإفريقي” المعتدل، مقابل انتشار الفكر السلفي الجهادي، والذي يمثل بيئة خصبة  للمجموعات والخلايا الإرهابية المنتشرة الآن في غرب إفريقيا، وهناك دراستان في هذا الصدد تم إصدارهما في أبريل 2014 من قبل “المعهد الألماني للدراسات الدولية والإقليمية”:

الأولى: تحت عنوان “السلفية وأسباب الإرهاب في إفريقيا” تأليف البرفيسور “سبيستيان أليشر” وهو أستاد العلوم السياسية المقارنة بجامعة” لينوبرج” وهو باحث في قسم الدراسات الإفريقية بـ”المعهد الألماني للدراسات الدولية والإقليمية”.

الثانية: دراسة “هاينرش برج شتراسر”عن “الإرهاب في نيجيريا” وهو صحفي وباحث متخصص في الشئون الإفريقية بنفس المعهد.

وكذلك تقرير “معهد التعاون الدولي بميونخ” والتابع لموئسسة “هانز زايدل” عن التحديات الامنية في غرب إفريقيا، سنتناول أهم ما جاء في تلك الدراسات:

مدخل

منطقة غرب إفريقيا

تعد منطقة غرب إفريقيا منطقة التناقضات، حيث إنها منطقة غنية بالمواد الخام والثروات الطبيعية، وفي الوقت ذاته من أكثر الدول فقر فضل عن الهوة الساحقة بين اغلبية السكان الفقراء وبضعة الاغنياء الذين يعيشون في مدن الاسوار وتتكون هذه المنطقة  من 16 دولة هي: بنين، بوركينافاسو، الرأس الأخضر، ساحل العاج، نامبيا، غانا،غينيا، غينيا بيسا، ليبيريا، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، السنغال، سيراليون وتوغو، ومعظم هذه الدول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي تم تشكيلها عام 1975، وتتنوع هذه الدول من حيث رقعتها الجغرافية ومستويات التنمية بها وقوتها الاقتصادية، فضلًا عن تاريخها الاستعماري .

وبالرغم أن دول غرب إفريقيا نالت استقلالها السياسي قبل أي منطقة أخرى في إفريقيا المستعمرة، فإنها فشلت في تحقيق درجة عالية من الاستقرار السياسي لأسباب عدة، وقد كشفت دراسة أُعدت عام 2009، أنه ما بين 1958 و2008 حظيت غرب إفريقيا بأكبر عدد من الانقلابات في إفريقيا عمومًا، وأدت إلى عدم استقرار سياسي تستغله بعض الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدفها في المنطقة، وأبلغ مثال على ذلك هو دولة مالي.

بدايات الجماعات الجهادية في غرب إفريقيا

تمثل الجماعات الجهادية تحديًا أمنيًا حقيقيًا في منطقة غرب إفريقيا، فتزايد وتصاعد الهجمات الارهابية وتعدد الجماعات التي تنفذ تلك الهجمات في المنطقة والصلات والعلاقات المتنامية بين هذه الجماعات، ويتجلى هذا التحدي في الأساس في العمليات التي شنها تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وفي بعض بلدان إفريقيا الغربية، وكذلك التكتيكات والأسلحة والرؤية الأيديولوجية التي يمد بها هذا التنظيم جماعات، مثل أنصار الدين وأنصار “بوكو حرام” وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب إفريقيا وحركات أخرى تضم خلايا إرهابية أخرى نائمة متوغلة هنا وهناك.

وقد شهدت بلدان غرب إفريقيا مثل النيجر ونيجيريا ومالي وموريتانيا  تصعيدًا لهجمات إرهابية جديدة، كما أن جماعات كانت تعتبر محلية، مثل بوكو حرام والتوحيد والجهاد، شنت بنجاح هجمات عابرة للحدود.

القاعدة بالمغرب الإسلامي

تعد أنشطة القاعدة بالمغرب الإسلامي حجر الأساس للإرهاب في غرب إفريقيا، وهذا التنظيم عادةً ما يُنظر إليه أنه وليد أزمة الجزائر عام 1992. فإلغاء السلطات العسكرية في الجزائر نتائج الانتخابات التي جرت تلك السنة، حرم جبهة الإنقاذ الإسلامية من فوز محتمل، ما تسبب في نشوب صراع داخلي دموي ظل يعصف بالجزائر لسنوات عديدة، وهكذا فإن القادة الحاليين لتنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي هم من أسسوا في البداية الجماعة الإسلامية المسلحة، ثم تركوها ليؤسسوا الجماعة السلفية للدعوة والجهاد، وفي سبتمبر 2006، أعلنت الجماعة السلفية انتماءها رسميًا لتنظيم القاعدة وفي يناير 2007 غيرت اسمها ليصبح: تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي، ومنذ ذلك التحول وهذا التنظيم يقدم الدعم اللوجستي لغيره من الجهاديين والجماعات الإسلامية التي تعمل في منطقة غرب إفريقيا.

وتشمل نشاطات القاعدة بالمغرب الإسلامي والخلايا التابعة لها في غرب إفريقيا، الاختطاف وقتل السياح الغربيين وعمال الإغاثة والجنود وكذلك الهجمات على أهداف حكومية وحواجز أمنية وبعثات دبلوماسية أجنبية، كما هو الحال في موريتانيا، ففي يوليو 2011 ، هاجمت القاعدة بالمغرب الإسلامي قاعدة عسكرية في باسكنو، قرب مدينة النعمة جنوب شرق موريتانيا، وقد نفذت العديد من هذه الهجمات، كما شجع هذا التنظيم الإسلاميين في مالي على شن هجمات مماثلة، وبعد انجراف مالي إلى حالة عدم الاستقرار عقب انقلاب مارس 2012، وما نجم عنه من فراغ في السلطة، تمكن الطوارق وبدعم من عديد من القوى الإسلامية، ممثلين في الحركة الوطنية لتحرير أزواد و أنصار الدين وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، من السيطرة على ما يناهز ثُلثي البلاد، ومنذ ذلك الحين صعد نجم  حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وقامت بهجمات قوية.

حركة “التوحيد والجهاد” في غرب إفريقيا

ويُعتقد أن هذه الحركة التي هي فرع من تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، تتمتع بعلاقات جيدة مع الصحراويين وجبهة البوليساريو، والواقع أنها نمت وتطورت منذ أكتوبر 2011 الذي كان بداية نشاطها الفعلي، وقامت بتنفيذ بعض الهجمات المؤثرة، كما تمكنت من السيطرة على مدينة كونا في شمال مالي، وكانت هذه الجماعة قد أعلنت أولى عملياتها المسلحة عبر الفيديو يوم 12 ديسمبر 2011، موضحة أن هدفها المقصود هو نشر الجهاد في غرب إفريقيا، وفي شريط الفيديو المذكور “أثبتت تقاربها الأيديولوجي مع زعماء تنظيم القاعدة مثل أسامة بن لادن ومؤسس وزعيم حركة طالبان الملا عمر لكنها ركزت أكثر على شخصيات تاريخية من أصول غرب إفريقية، مدعية أن عناصرها “أحفاد أيديولوجيون ” لعثمان دان فوديو والشيخ أحمدو لبو والحاج عمر تال، وقد أعلنت حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا مسئوليتها عن بعض العمليات، بما في ذلك اختطاف سبعة دبلوماسيين جزائريين يوم 5 أبريل 2012 من مدينة غاو بمالي وهجوم في 23 مارس 2012 على قاعدة للدرك الوطني الجزائري بتمنراست وهجوم في 29 يونيه 2012 على قاعدة أخرى في ورقلة.

وابتداء من 11 يناير 2013، بدأت فرنسا تنشر قواتها في إطار ما أطلقت عليه “عملية سرفال” أو “عملية القط البري” لوقف تقدم الجماعات الإسلامية التي تشمل أنصار الدين وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا التي كانت مصممة على غزو باماكو، وردًا على هذا التحرك أعادت هذه المجموعات ترتيب استراتيجيتها عبر انتهاج طريقتين رئيسيتين، تمثلت أولاهما في تراجعها إلى المنطقة الجبلية في شمال مالي والذوبان في السكان المحليين، أما الاستراتيجية الثانية فكان انتهاج تكتيكات حرب العصابات من نصب الكمائن والتفجيرات الانتحارية، ففي 8 فبراير 2013، شهدت مالي الهجوم الانتحاري الأول في البلاد عندما فجر مهاجم نفسه في مدينة غاو التي تعتبر إحدى المدن الرئيسية في مالي، وفي ذلك الهجوم أقدم شاب من الطوارق يرتدي زي ضابط من هيئة شبه عسكرية ويركب دراجة نارية على تفجير حزامه الناسف عند نقطة تفتيش للجيش المالي، ما أدى الى إصابة جندي وبعد ذلك بيومين، هز هجوم انتحاري آخر نقطة تفتيش عسكرية عند مدخل المدينة، وفي حادث آخر يوم 21 مارس 2013 هاجم انتحاري نقطة تفتيش عسكرية قرب مطار تمبكتو.

ويقدر المراقبون أن مالي شهدت ما بين 9 فبراير و22 مايو 2013 اثني عشر هجومًا انتحاريًا في مدن تمبكتو وغاو وكيدال وميناكا وغوسي، وهي مناطق كانت تحت سيطرة الإسلاميين قبل التدخل الفرنسي.

ووسعت أيضا حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا هجماتها لتشمل الدول المجاورة، وهددت بمهاجمة البلدان الإفريقية التي أسهمت بقوات في الهجوم الذي قادته فرنسا، وفي يوم 23 مايو عام 2013، على سبيل المثال أقدم انتحاريون من أتباع هذه الحركة على تفجير سيارتين ملغومتين في وقت واحد في النيجر، واحدة داخل معسكر للجيش النيجري في مدينة أغاديس وأخرى في منجم لليورانيوم تابع للفرنسيين في مدينة أرليت النائية شمال النيجر؛ ما أدى لمقتل ما لا يقل عن 26 شخصًا.

حركة “بوكو حرام

لا شك أن الجرأة المتزايدة لحركة “بوكو حرام” النيجيرية هي إحدى المستجدات التي جعلت من غرب إفريقيا منطقة نفوذ للجماعات الإسلامية الإرهابية، وقد لفتت هذه الحركة انتباه العالم لها في أعقاب تمردها على الحكومة النيجيرية في يوليو 2009، وقد صعد زعماء بوكو حرام من هجماتهم التي كانت  تستهدف في البداية الأمن والموظفين إلى استهداف المدنيين والبنية التحتية والزعماء الدينيين والسياسيين ودور العبادة والأسواق والمدارس العامة والمستشفيات ومؤسسات التعليم العالي وأهداف مدنية أخرى، وقد تطورت تكتيكاتها من مواجهات مفتوحة سيئة التخطيط مع قوات الأمن، إلى الاستخدام المتزايد للعبوات الناسفة والاغتيالات المستهدفة والكمائن وإطلاق النار من السيارات المسرعة والتفجيرات الانتحارية.

وتشير التقديرات إلى أنه في ما بين يونيه 2011 وأبريل 2013، شنت هذه الحركة ما لا يقل عن 30 هجومًا انتحاريًا في شمال نيجيريا، كان أغلبها في ولاية بورنو، وتشير التقديرات إلى أن هجمات بوكو حرام أدت إلى مقتل أكثر من ستة آلاف شخص منذ 2009، بما في ذلك الوفيات الناجمة عن تدخل قوات الأمن، ويمثل تفجير مقر الأمم المتحدة في أبوجا الذي أسفر عن مقتل 23 شخصًا في 26 أغسطس 2011، دليلًا دامغًا على أن الجماعة تسعى إلى تدويل أعمالها الإرهابية وهذا ماتجلي بوضوح في عملية خطف التلميذات في أبريل 2014 وما ترتب عليه من إدراجها في القائمة السوداء للأمم المتحدة.

أنصار المسلمين في بلاد السودان

أنصارو

أضاف صعود جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان “أنصارو” لفترة قصيرة بُعدًا آخر إلى مشهد الإرهاب الذي استفحل في غرب إفريقيا، ويعتقد وحركة أنصارو تأسست في يناير 2012 في شمال نيجيريا، ولكن وجودها لم يبرز للعلن إلا في شهر يونيه 2012، عندما بث من قال إنه زعيمها واسمه أبو أسامة الأنصاري، شريط فيديو أعلن فيه إنشاء الفرع وحدد فيه منهج الجماعة.

وعلى الرغم من أن حركة “أنصارو” أقل شهرة من بوكو حرام، فإن طبيعة وملامح أهدافها فضلًا عن نواياها المعلنة، تجعل منها حركة جديرة باهتمام الأمن الغربي، فمنذ نشأتها تبنت “أنصارو” عدة عمليات إرهابية مثل الهجوم المسلح في نوفمبر 2012 على سجن في أبوجا، وكذلك خطف مواطن فرنسي في ديسمبر 2012، وفي يناير 2013 نصبت كمائن لجنود نيجيريين كانوا متجهين إلى مالي وذلك في ولاية كوجي، وخطفت سبعة موظفين أجانب في فبراير 2013 في ولاية بوتشي.

ومثل إعدام الأجانب السبعة المختطفين يوم 9 مارس 2013 أبشع عملية تقوم بها هذه الجماعة منذ إعلانها عن تأسيسها، وفي 4 يونيه 2013 قررت الحكومة النيجيرية حظر الجماعتين الإرهابيتين الإسلاميتين، بوكو حرام و”أنصارو”.

وعلاوة على التهديدات التي تشكلها تنظيمات القاعدة بالمغرب الإسلامي و”أنصارو” وأنصار الدين وبوكو حرام وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا وغيرها من الخلايا الإرهابية في غرب إفريقيا، يمثل التسلل التدريجي للقاعدة في شبه الجزيرة العربية وحزب الله في غرب إفريقيا تعقيدا أكبر للمشهد.

ومع استمرار أزمة التلميذات المختطفات في شمال شرق نيجيريا، يظل موضوع الجماعات الإسلامية المسلحة في غرب إفريقيا موضوع الساعة.

المركز العربي للبحوث والدراسات.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.