وكالة أنباء موريتانية مستقلة

قوّة دول الخليج بوحدة اقتصادها

عدنان كريمة*

في ظلّ التحدّيات والمستجدّات التي تعصف بالمنطقة، وفي وقت تحدث فيه متغيّرات سريعة وتبرز تكتّلات اقتصادية مهمّة وفاعلة في العالم، مثل الاتّحاد الأوروبي واتّحاد دول الشمال الأطلسي، اتّخذت القمّة الخليجية التشاورية في دورتها السادسة عشرة التي انعقدت برئاسة خادم الحرمَين الشريفَين الملك سلمان بن عبد العزيز في مدينة جدّة بنهاية شهر أيار(مايو) الماضي قراراً بتشكيل هيئة عالية المستوى من الدول الأعضاء أُطلق عليها اسم “هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية”، تكون مهمّتها تعزيز التكامل والتنسيق، ومتابعة تنفيذ رؤية الملك سلمان الخاصّة بتعزيز العمل الخليجي المشترك التي أقرّتها قمّة الرياض في كانون الأوّل (ديسمبر) 2015.

يأتي هذا القرار تاكيداً على ضرورة الانتقال من “مرحلة التعاون” إلى “مرحلة التكامل” خلال العام الحالي، وصولاً إلى إنجاز الوحدة الاقتصادية بعد استكمال خطوات تنفيذ السوق الخليجية المشتركة، مع قيام الاتّحاد الجمركي، وخصوصاً أنّ تسريع وتيرة التعاون وخطوات الترابط الأمني والعسكري، تؤدّي إلى استكمال منظومتَيْ الأمن والدفاع، بما يشكّل سدّاً منيعاً أمام التحدّيات الخارجية التي تواجه دول المجلس والمنطقة.

وإذا كان إنشاء “هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية” هو بمثابة هدية ميلاد لمجلس التعاون الخليجي في سنته الخامسة والثلاثين، فإنّ بعض المراقبين أكّدوا أنّ هذه الهيئة ستسهم في تنفيذ عددٍ من القرارات الاقتصادية التي أقرّتها قمم مجلس التعاون الخليجي السابقة، وربما يكون اعترافاً بعدم قدرة أمانة المجلس ولجانه على تفعيل هذه القرارات، إذ إنّ المفروض بعد مضيّ عقود على تأسيس المجلس، أن يكون قد تجاوز هذه المرحلة ووصل إلى مرحلة الاتّحاد والتكامل الفعليّ، الامر الذي يدعو إلى ضرورة تأسيس هذا الاتّحاد وتقويته بأسرع وقت ممكن في ظلّ وجود عدد من العوامل التي تساعد في سرعة الاندماج الخليجي، وخصوصاً أنّ دول الخليج باتت على مقربة من أن تكون سادس أقوى قوّة اقتصادية في العالم بحلول عام 2030. لكنّ الدكتور عبد اللطيف الزيّاني، الأمين العام لمجلس التعاون، يرى أنّ “دول المجلس حرصت منذ فترة طويلة على انتهاج التخطيط أسلوباً لتحقيق أهدافها التنموية، وتمكّنت من تحقيق إنجازات تنموية متميّزة، ما أتاح لها تسجيل نتائج مشرّفة في مجالات التنمية المُستدامة، والتنافسية الدولية، وتبوّؤ مكانة مرموقة بين دول العالم المتقدّمة”.

وأكّد الزيّاني أهمّية العمل الدؤوب على دفع مسيرة مجلس التعاون، والاستفادة من المنجزات المتحقّقة لمزيد من التنسيق والتكامل والترابط بين دول المجلس.

الاتّحاد الجمركي

تتركّز جهود الأمانة العامة لدول مجلس التعاون على تنفيذ قرار قمّة الرياض المتعلّق بإنهاء المرحلة الانتقالية للاتّحاد الجمركي الخليجي الموحّد خلال العام الحالي، باستكمال ما تبقّى من متطلّبات هذا الاتّحاد التي نصّت عليها المادّة الأولى من الاتّفاقية الاقتصادية بين دول المجلس، وتشمل اتّخاذ إجراءات حازمة لتسهيل إجراءات المنافذ الجمركية، وتسريعها وتبسيطها، تمهيداً لإلغائها، واستكمال المعاملة المميّزة لمواطني دول المجلس وأسرهم من دون استثناء.

ويُعدّ الاتّحاد الجمركي الذي انطلق في كانون الثاني (يناير) 2003، إحدى أهمّ خطوات التكامل الاقتصادي الخليجي، ويشكّل تحوّلاً نوعياً في العمل المشترك، لكونه يقوم أساساً على توحيد التعرفة الجمركية وإزالة معوّقات التبادل التجاري، وتوحيد إجراءات الاستيراد والتصدير، ومعاملة المنطقة الجغرافية للدول الأعضاء كمنطقة جمركية واحدة.

لا شكّ في أنّ دخول الاتّحاد الجمركي مرحلة النفاذ الفعلي مبكراً، كان يعتبر خطوة كبيرة في سبيل تنمية الاقتصادات الخليجية للاستفادة من اقتصادات الحجم الكبير، إلّا أنّ تراكم المعوقات الجمركية وغير الجمركية، عرقلت أداء الاتّحاد وفاعليّته، ما أدّى إلى تأجيل موعد تدشينه نحو 13 سنة، وهي فترة طويلة لم تكن متوقَّعة.

ولوحظ أنّ الاتّحاد حقّق قفزة في حجم التجارة البينيّة بين دول الخليج من 6 مليارات دولار في عام 1984 إلى 110 مليارات في العام 2012، ثمّ إلى 121 مليار دولار في عام 2013، وذلك يعود إلى الإجراءات التي اتّخذتها الدول الأعضاء لتسهيل انسياب السلع بينها، من خلال إقامة منطقة التجارة الحرّة وتوحيد التشريعات والإجراءات الخاصّة بالتجارة والاستيراد والتصدير والجمارك.

الاتّحاد النقدي

أعلن وزير المالية السعودي إبراهيم العساف أنّ المجلس النقدي بين أربع دول خليجية يجتمع باستمرار، كذلك لجنة محافظي البنوك المركزية ومؤسّسات النقد في دول المجلس، مؤكّداً على إقرار سلسلة توصيات في مسيرة تحقيق قيام الاتّحاد النقدي.

لقد بدأت فكرة إصدار عملة موحّدة لدول مجلس التعاون مع نشأة المجلس منذ 35 عاماً. ونظراً للاستقرار النسبي في أسعار الصرف التقاطعية لعملات الدول الأعضاء خلال الثمانينيّات والتسعينيّات، ولكون إقامة الاتّحاد النقدي وإصدار عملة موحّدة تُعتبران مرحلة تكاملية متقدّمة يسبقها في الغالب، ووفق النظرية الاقتصادية، مراحل تكاملية أخرى، هي منطقة التجارة الحرّة والاتّحاد الجمركي والسوق المشتركة، فقد كان الرأي السائد داخل المجلس في أوائل التسعينيّات، أنّ الوقت لم يحن بعد لبحث تفاصيل إقامة الاتّحاد النقدي وإصدار العملة الموحّدة، ولذلك ارتأى وزراء المالية والمحافظون في دول المجلس تأجيل بحثه إلى نهاية عقد التسعينيّات.

وبنهاية عقد التسعينيّات، ونظراً لتحقيق تقدّم في ما يتعلّق بالاتّحاد الجمركي الخليجي، ولنجاح الاتّحاد الأوروبي في موضوع اليورو، وانطلاقاً من توجّه دول المجلس لتعزيز العمل الاقتصادي المشترك وتبنّي آليات وبرامج زمنية لتحقيقه، أُعيد بحث موضوع العملة الخليجية الموحّدة، وقرَّر المجلس الأعلى في قمّته التي عُقدت في مملكة البحرين في كانون الأوّل(ديسمبر) 2000 تبنّي الدولار الأميركي مثبّتاً مشتركاً لعملات دول المجلس في المرحلة الحالية. ووجَّه وزراء المالية والمحافظون بإعداد برنامج زمني لإقامة الاتّحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحّدة، وهو يقضي بأن تتّفق الدول الأعضاء على معايير تقارب الأداء الاقتصادي ذات العلاقة بالاستقرار المالي والنقدي اللازمة لنجاح الاتّحاد النقدي قبل نهاية 2005، وذلك تمهيداً لإطلاق العملة في موعد لا يتجاوز الأول من كانون الثاني (يناير) 2010.

لكنّ انسحاب سلطنة عُمان في عام 2007، والإمارات في منتصف العام 2009، وضع المشروع أمام تحدّيات صعبة، على الرّغم من أنّ أربع دول وقّعت عليه وهي: السعودية، وقطر، والبحرين، والكويت، وأصبحت “اتّفاقيه إقامة وحدة نقدية” نقطة انطلاق مهمّة في بناء مؤسّسات الاتّحاد النقدي الخليجي المتمثّلة في المجلس النقدي والبنك المركزي. وقد ربطت الإمارات بين قرارها بالانسحاب وبين اختيار السعودية، أكبر الاقتصادات العربيّة، مقرّاً للبنك المركزي الخليجي، ولكن بعد نحو ست سنوات على انسحابها تدرس حالياً موضوع العودة إلى الاتّحاد كضرورة اقتصادية مع إمكانية إبقاء العملة الإماراتية للاستخدام داخل البلاد لفترة زمنية تحدَّد مدّتها وفق متطلّبات كلّ مرحلة من مراحل المشروع، ولاسيّما أنّ دول الخليج العربية أصبحت أكثر إيماناً بأهمّية التكتّل الخليجي في ظلّ الأزمات الدولية والإقليمية سواء على المستوى السياسي أم الاقتصادي.

وفي حال إقرار عملة خليجية موحّدة، فإنّ ذلك يعني أنّ 6 اقتصادات موحّدة أفضل من اقتصاد واحد على حدة، كما أنّ ذلك سيسهم في التكامل الاقتصادي بين دول الخليج، وفي صدور قرارات سيادية ونقدية تضيف قوّة لدول مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن أنّ العملة الموحّدة ستساعد في إمكانية التحكّم بالتضخّم والانكماش على مستوى الدول الأعضاء، كذلك فإنّ العملة الخليجية الموحَّدة في حال صدورها ستدعم اقتصاداتها كافة، كما ستزيد من القوّة التفاوضية التجارية مع بقيّة دول العالم، فضلا عن أنّها ستسهم في القضاء على المخاطر المتعلّقة بأسعار صرف العملات الخليجية، وحلّ مشكلات التجارة البينيّة، وتعميق مفهوم السوق الواحدة.

تنويع مصادر الدخل

تبقى الإشارة إلى أهمّية قرارات أخرى اتّخذها قادة دول الخليج في قمّتهم التشاورية الأخيرة في جدّة، منها قرار بإقرار النظام الأساسي للهيئة القضائية الاقتصادية بما يحقّق مصالح مواطني دول المجلس، وقرار آخر بالموافقة على الاتفاقية الخاصّة بالضريبة على القيمة المضافة على أن تطبَّق في العام 2018، وكذلك فرض ضريبة انتقائية على بعض السلع الاستهلاكية. وقد اتُّخذت هذه القرارات في إطار تنويع مصادر الدخل لدى دول مجلس التعاون، بعدما تبيّن من تقارير صندوق النقد الدولي أنّ عائدات الصادرات النفطية في المنطقة انخفضت 390 مليار دولار عام 2015 ، أي 17 في المائة من الناتج المحلّي، وأنّ عجز الموازنة في الدول العربية المُصدِّرة للنفط يصل إلى 12.75 في المائة من الناتج المحلّي خلال العام الحالي، على الرّغم من تنفيذ سلسلة تدابير لخفض هذا العجز من خلال السحب من الاحتياطات المالية والاقتراض. ولم يستبعد الصندوق أن يصل عجز المالية العامّة التراكمي في دول مجلس التعاون إلى 900 مليار دولار بين عامَي 2016 – 2021.

*كاتب ومحلّل اقتصادي- لبنان

الخبر-افق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.