وكالة أنباء موريتانية مستقلة

حلب تعيد ذاكرة حماه ومئات الأطفال يتيهون

امتزجت المرارة بالقهر مع العجز، حيال ما يجري من مأساة إنسانية في المتبقي من مدينة حلب الشرقية، في ظل تقدم قوات نظام بشار الأسد وحلفائه من الروس والإيرانيين والميليشيات المذهبية المرتبطة بهم، نحو المساحة المتبقية التي تقدر بأقل من 10 كلم مربعة، وتضم في جنباتها ما يقارب 100 ألف سوري محاصر، وهو الأمر الذي سيطر على تغطية الصحف كافة البريطانية والأمريكية الكبرى، في ظل التقارير التي تتحدث عن قيام قوات النظام وحلفائه بإرتكاب مجازر حيال المدنيين.
صحيفة «الغارديان» البريطانية نشرت مقالاً على صدر صفحتها الأولى حمل عنوان «سكان حلب يذبحون.. فهل تعلمنا شيئاً من سربرينيتشا؟» كتبه أحد الناجين من المذبحة في البوسنة. بينما نقل مراسل «ديلي ميل» قيام النساء المحاصرات بالانتحار خوفاً من الاغتصاب،ونشر رسالة ممرضة تلقي باللوم على العالم،والتي قالت في آخرها أنها ستنتحر وأن جهنم التي تنتظرها لن تكون اقسى من جحيم حلب ومرارة الاغتصاب، بينما نقلت «نيويورك تايمز» و«هفنغتون بوست» الأمريكيتان الحالة المأساوية في المدينة، وأشارتا إلى أن أعداداً كبيرة من الأطفال يجوبون الشوارع والأحياء بعد أن تقطعت بهم السبل وعجزوا عن اللحاق بأهاليهم.
شبه نجاد فييتش، أحد الناجين من مذبحة سربرينيتشا في البوسنة، في الغارديان ما حدث في مدينته تسعينات القرن الماضي بما يجري حالياً في حلب، وكيف إنه كان صبياً مراهقاً عندما واجه أسوأ ما يمكن أن يواجهه إنسان، حيث يتذكر كيف أحرق منزل أسرته وكيف هربت الأسرة من سربرينيتشا سعياً إلى النجاة.
وقال إن رائحة الدم كانت تملأ أنفه، أثناء مرحلة الاعتقال والتعذيب التي تعرض لها حيث كان يعيش بالفعل في تلك الفترة أسوأ مذبحة في تاريخ أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية رغم أنه لم يكن يعرف ذلك وقتها، ويضيف أنه يتذكر بعد المذبحة كيف كان الساسة يرددون الوعود بأن المذابح لن تتكرر مرة أخرى، لكنه حاليا يرى الوعد يتم الخلف به مرة تلو مرة في شرقي حلب.
ويوضح أنه في كل مرة تتصاعد الأحداث بشكل مخيف في حلب ثم تهدأ الأمور يقول الجميع إن الوضع لن يصبح أسوأ لكن ذلك لم يحدث واستمرت الأمور تزيد سوءاً مرة بعد مرة لتصل إلى حضيض تلو حضيض، فالأسر تتضور جوعاً في المناطق المحاصرة من دون طعام أو ماء أو دواء.
ورغم أن فيديتش يؤكد أنه لازال يؤمن بوجود الخير في أغلب الناس من مختلف بقاع الأرض وشعوبها لكنهم لايستطيعون مساعدة سكان حلب بمفردهم ملقيا عبء ذلك على كاهل القادة والزعماء الذين يمتلكون ناصية القرار.
نشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية رسالة انتحار كتبتها إحدى الممرضات في حلب قبل أن تقتل نفسها، لتحول دون «تلذذ» الجنود السوريين باغتصابها، بحسب الرسالة إلى يبدو أنها مكتوبة للزعماء الدينيين والمعارضة السورية، حيث قالت الممرضة إن «يوم القيامة قد وقع في حلب، وأنا لا أعتقد أن جهنم ستكون أسوأ من هذا». وأضافت الممرضة أنها قررت إنهاء حياتها قبل وصول الجنود الحيوانات «لأنني لا أريد أن يتذوق جنود نظام الأسد طعم اغتصابي».
ولفتت الصحيفة أن هناك تقارير تفيد أن ما يصل إلى 20 امرأة قتلن انفسهن في صباح يوم واحد فقط في المدينة المحاصرة لتجنب التعرض للاغتصاب.
في وقت يترقب كثيرون مصير المدنيين المحاصرين في مساحة لا تتجاوز 5 كلم مربعة في حلب، لخصت شابة حلبية الواقع وكأنه «صالة سينما عملاقة تعرض فيلم رعب والجميع يترقب المشهد الأخير للنهاية المأساوية». وتقول زين التي لا يتجاوز عمرها ال 26 سنة،وهي واحدة من قرابة 100 ألف محاصر بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ومصابون أيضاً، وتصف الوضع بقولها ل«هفينغتون بوست» أنهم «متوحدون في صمتنا ننصت لصوت شحذ السكاكين المعدّة مسبقاً لذبحنا كخلفية موسيقية تصبغ أحداث حياتنا الأخيرة، لكننا سنموت ونحن على يقين بأننا لم نخذل يوماً من خذلنا».
تقول الناشطة ريما( 27 عاماً) عن أعداد الأطفال النازحين، «هم بالآلاف» و«الشوارع غصت بجثث القتلى». فهناك الكثير من الاطفال تاهوا عن عائلاتهم أو فقدوها بشكل نهائي، وتوضح ريما «نحن كناشطين نحاول إيجاد عائلات تؤويهم ومنازل تحميهم من القصف والشظايا لا أكثر، لم نعد نملك حتى القدرة على إجابتهم في حال سألونا عن مصير أهلهم». وتختتم بقولها «لم نعد نملك شيئاً إلا الانتظار، انتظار النهاية ربّما».
وقالت صحيفة «الغارديان» أن أغلب أحياء حلب تحولت إلى مقبرة كبرى ووصفت ما يجري بأنه عار على هذا الجيل، وأن منظمة الدفاع المدني السوري «القبعات البيضاء» كانت قد صرحت في وقت سابق عن توقف فرقها العاملة في حلب عن العمل نتيجة القصف المستمر والنقص الحاد في المعدات والأدوية والماء والمواد الغذائية. فيما أكد متطوعو المنظمة وجود أكثر من 90 جثة ما تزال تحت الأنقاض حتى حينه، فيما حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن حياة آلاف المدنيين الذين لا يملكون أي ملجأ أصبحت في خطر حقيقي، وان اللجنة أكدت وعبر بيان صادر عنها على قدرة العالم على تجنب كارثة إنسانية عميقة إذا ما استطاع إلزام القوات المهاجمة بتطبيق القواعد الأساسية للإنسانية والحرب، كما دعا البيان المقاتلين المتواجدين ضمن الأحياء المحاصرة لبذل قصارى جهدهم في الدفاع عن المدنيين المحاصرين في فرصة قد تكون الأخيرة لحماية أرواحهم.
ولم يكن حال الذين فروا من المدينة بأحسن من حال الذين بقوا،حيث كتبت هفنغتون بوست في تقريرها أن ما يقرب من 1000 شخص من حلب، بعد خروجهم منها جرى توقيفهم في نقطة تفتيش تابعة لميليشيات إيرانية خارج المدينة، ونقلت عن مدير الهلال الأحمر التركي كيرم كينيكي قوله، وكان هؤلاء الناس مروا من نقطة التفتيش الروسية، في اشارة إلى الذين تم اجلاؤهم. وأضاف «لكن بعد مغادرة حلب، جرى توقيفهم عند النقطة الثانية التي تديرها ميليشيا إيرانية، وما زالوا موقوفين وممنوعين من المرور إلى هذه اللحظة»
قالت صحيفة نيويورك تايمز إن الخوف يخيم من حدوث مجزرة داخل مدينة حلب بعد أن أعلنت الأمم المتحدة، أن لديها تقارير تفيد بأن الجنود السوريين ومقاتلين عراقيين متحالفين معهم قتلوا 82 مدنياً رمياً بالرصاص، في الأحياء التي استعادوا السيطرةَ عليها في شرقي حلب، وقال روبرت كولفيل، المتحدث باسم الأمم المتحدة: «التقارير التي لدينا تتحدث عن إطلاق النار على أشخاص في الشارع وهم يحاولون الفرار، وإطلاق النار على الناس في منازلهم».
وإلى حين الوصول إلى اتفاق حول عملية إجلاء المدنيين تبقى المأساة التي يعيشها المحاصرين في المتبقي من حلب الشرقية، أكبر جريمة تشهدها الحرب السورية طوال سنواتها الخمس.
الخبرـ الخليج

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.