وكالة أنباء موريتانية مستقلة

إسرائيل والأمن المائي.. محددات السياسة الخارجية لمصر في إفريقيا 2017

مع تراجع الدور العربي في القارة السمراء توجهت معظم دول أوروبا وأمريكا وآسيا إلى منطقتي الساحل والقرن الإفريقي بما يمثل تهديدًا على مستقبل العلاقة بين الشريكين اللذين كانا بإمكانهما تشكيل محور إقليمي قوي في السياسة الدولية بالنظر إلى الإمكانيات المادية والثروات الطبيعية والموقع الجيوسياسي لهما، حيث تتقاطع المنطقة العربية جغرافيا بين قارتي آسيا وأفريقيا.

الطرح السابق فرض على القاهرة ضرورة إيجاد قواسم مشتركة مع القارة السمراء وتفعيلها بما يضمن في النهاية الحفاظ على مرتكزات الأمن القومي لمصر والتي يأتي في مقدمتها قضية المياه خصوصا بعد دخول إسرائيل على الخط كلاعب أساسي في ميزان القوى الإقليمي وتوظيفه لورقة العلاقات مع إفريقيا في سياق الصراع العربي الإسرائيلي.

وكانت السياسية الخارجية لمصر في 2016 أكثر إدراكا لأهمية القارة السمراء في حسم العديد من الملفات الخاصة بالأمن القومي المصري، وانطلقت السياسة الخارجية لمصر في أفريقيا من محددين رئيسيين، الأول: تطويق التحركات الإسرائيلية في منطقة القرن الأفريقي وقطع الطريق على دولة الاحتلال لاستغلالها في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، الثاني: ضمان الأمن المائي لمصر، وهنا يبرز الحديث عن أهمية أفريقيا في ملف سد النهضة الأثيوبي وضرورة إيجاد طريقة تضمن عدم الإضرار بالحقوق التاريخية لدول حوض النيل وحصتها في المياه المتفق عليها تاريخيا.

تطويق التحركات الإسرائيلية في أفريقيا

تمثل أفريقيا أهمية خاصة بالنسبة لإسرائيل التي تحاول اختراق أي كيان يمكن من خلاله كسر عزلتها الدولية والإقليمية – على الرغم من الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة الأمريكية-، مستغلة حالة الاضطرابات الأمنية والصراعات السياسية في تلك القارة في تحقيق مآربها، حيث نجحت تل أبيب في استغلال ذلك الصراع وتحويل القارة إلى سوق لتوزيع السلاح، فليس خافيا على أحد أن إسرائيل من أكبر الداعمين والممولين للحرب بين إثيوبيا وإرتيريا، تلك الدولتين اللتين تحاربان بسلاح إسرائيلي رغم اختلاف المصالح، كما أن يد إسرائيل كانت ولازالت حاضرة في الصراع السوداني-السوداني، بين الجنوب والشمال، وفي دارفور والنيل والأبيض، بالإضافة إلى أن الأزمة في الصومال تلعب فيها تل أبيب دورا مهما في إطار محاولة تطويق التيار الديني وتقويض الإسلاميين، إلى جانب تقليص نفوذ جماعة بوكو حرام في نيجيريا وجعل تركيزها في محاربة النظام بما يضمن انشغالها في الأوضاع الداخلية، هذا إلى جانب محاولة تحييد جماعة المرابطون في شمال مالي وضمان عدم التلاعب بمصالحها في القارة السمراء، والاحتفاظ بها كورقة في إطار الضغط على الأنظمة العربية والإفريقية.

مصر من ناحيتها أدركت هذه النوايا الإسرائيلية وسارعت بفتح قنوات اتصال مع دول القارة، وعقدت القاهرة اتفاقيات متنوعة ومتعددة في مجالات التجارة والصناعة والنقل البحري والجوي، كخطوة في طريق ترميم العلاقات مع القارة السمراء، وتوجت هذه المحاولات بزيارات متبادلة للطرفين كان أخرها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأوغندا والسودان واستقباله لرئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلة كأحدث زائر أفريقي للقاهرة.

يقول الخبير في الشأن الأفريقي الدكتور حمدي عبد الرحمن لـ”بوابة الأهرام”: لعل الدور الإسرائيلي في دعم سد النهضة الإثيوبي يرتبط بمسعي تل أبيب الدائم للوصول إلى منابع النيل، ويمكن أن نشير هنا إلى مشروع “اليشع كالي” عام 1974 والذي كان يهدف الى نقل مياه النيل إلى صحراء النقب عبر أنابيب تمر تحت قناة السويس، وتشير بعض التقارير الدولية لمحاولات إسرائيل مراجعة والتصديق على اتفاقية المجاري المائية الدولية، وهو اتفاق إطاري عالمي من شأنه أن يمنح البلدان في المنطقة الحق في تقاسم الموارد المائية، وإعادة توزيع الحصص وفقا لذلك.

يضيف عبد الرحمن -الذي يعمل أستاذًا للعلوم السياسية بجامعة القاهرة- : تأمل إسرائيل أن يتم الاعتراف بها كدولة شرق أوسطية وهو الأمر الذي يعطيها الحق في تقاسم مياه النيل، وتعمل إسرائيل بالفعل على قدم وساق في قطاعات المياه والزراعة الخاصة بكثير من دول حوض النيل مثل كينيا وإثيوبيا، ويوجد خبراء إسرائيليين يقيمون في هذه البلدن، فضلا عن احتفاظ إسرائيل بقواعد عسكرية في اريتريا، ويلاحظ أن إسرائيل وقعت اتفاقيتين، إحداهما مع جنوب السودان و إثيوبيا، تتعلق بتوزيع الكهرباء التي سيتم إنتاجها من سد النهضة، وقد بدأت بإنشاء خط لنقل الكهرباء إلى كينيا، وخط آخر إلى جنوب السودان، موضحا أن عقود توزيع الكهرباء تظهر أن إسرائيل جزء أساسي من عمليات وسياسات التشغيل بسد النهضة.

عبد الرحمن قال: إن هدف إسرائيل من خلال تغلغلها في حوض النيل هو استكمال خطة محاصرة مصر عبر بوابة “جنوب السودان، كينيا، اريتريا، إثيوبيا”، والتعامل مع مصر من خلال هذا الطوق الإفريقي، وإيجاد آلية للتعاون مع الصين التي تملك الكثير من الشركات والمصالح، ولعل الحديث الذي تردده بعض الدوائر الإعلامية حول التوسط الإسرائيلي في سد النهضة يؤكد سعي إسرائيل لتوريط مصر وابتزازها سياسيا.

الأمن المائي لمصر

تشكل قضية الأمن المائي لمصر أهم ملفات السياسة الخارجية لمصر، وكانت تلك القضية هي جوهر التحركات المصرية في أفريقيا 2016، حيث اتبعت الدولة المصرية سياسة نشطة علي الساحة الأفريقية دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا في ظل الأوضاع الراهنة من محاولات التغلغل الإسرائيلي والتقاربات الإيرانية الأفريقية وانفصال جنوب السودان والتدهور الاقتصادي المصري، واتفاقية عنتيبي وبشكل خاص ملف سد النهضة الذي يمس سلبا بالأمن القومي المصري حيث سيؤدي الي مجموعة من الآثار السلبية علي مصر وذلك بفقدان مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وانخفاض كهرباء السد العالي وخزان أسوان ونجع حمادي وتوقف العديد من محطات مياه الشرب،ناهيك عن نقصان حصة مصر وهو الأمر الذي يدفعها لتحليه المياه مما يكلفها ما يقدر بحوالي 50 مليار سنويا بالإضافة إلى الأزمة التي يمر بها الاقتصاد المصري، الأمر الذي يفضي في النهاية إلي توترات وصراعات بين مصر والسودان وأثيوبيا مما قد يسهم في اشتعال المنطقة بالحروب والصراعات المسلحة .

من هذا المنطلق قرأت السفيرة منى عمر مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية دوافع الدبلوماسية المصرية بالخارج، مؤكدة علي ضرورة فرض احترام دول حوض النيل للاتفاقيات المبرمة بينهم وتعزيز التعاون وإقامة العديد من المشروعات الإقليمية التنموية التي تخدم كافة الأطراف من دون إلحاق الآخرين بالضرر والجور علي حصتهم من المياه واحترام مبادئ القانون الدولي.

“عمر” قالت لـ”بوابة الأهرام”: مع استمرار عرقلة المفاوضات السياسية والفنية بين القاهرة وأديس أبابا حول إدارة المياه في نهر النيل بسبب الإصرار الإثيوبي على بناء سد النهضة، الذي يهدد المصالح المصرية، لجأ النظام المصري إلى تجديد سياسته في إصلاح العلاقة وتقويتها مع دول منابع النيل في منطقة البحيرات الاستوائية، خصوصا الكونغو الديمقراطية، التي كانت ظهيرًا سياسيًا وحليفا استراتيجيا لمصر منذ بداية النزاع على مياه النيل، وأوغندا التي تعتبر طرفا رئيسيا في اتفاقية عنتيبي، وتحاول مصر توظيف العلاقة مع أوغندا في سياق مطالبها بتعديل تلك الاتفاقية الإطارية التي تنظر القاهرة لبعض تفاصيلها من زاوية تقويض الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، لافتة إلى أن ملف المياه سيشهد مع بداية 2017 العديد من التحركات المصرية في هذا الصدد باعتباره أولوية قصوى للأمن القومي المصري.
الخبر ـ الأهرام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.