وكالة أنباء موريتانية مستقلة

رحلة ابن فضلان الى بلاد الترك والروس والصقالبة

أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد ابن حماد: صاحب الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة، المعروفة ب (رسالة ابن فضلان ) .
أوفده المقتدر إلى ملك الصقالبة (على أطراف نهر الفولغا) مع جمع من القادة والجند والتراجمة، إجابة لطلب بلغار الفولغا وقد بعثوا برسول منهم إلى عاصمة الخلافة يرجون العون على مقاومة ضغط الخزر عليهم من الجنوب، وأن ينفذ إليهم من يفقههم في الدين ويعرفهم بشعائر الاسلام.
وكانوا قد اعتنقوه قبل عهد غير بعيد.
وقامت البعثة من بغداد (في 11 صفر 309 هـ، 21 يونيو 921 م) مارة بهمذان والري ونيسابور ومرو وبخاري، ثم مع نهر جيحون إلى خوارزم إلى بلغار الفولغا في 18 محرم 310 هـ (12 مايو 922 م) ولم يعرف خط سير الرجعة لضياع القسم الأخير من الرسالة

يعد كتاب «رحلة ابن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة» واحداً من نوادر الرحلات العربية، وهي أقدم رحلة مدونة عن بلدان غير عربية ومسلمة، وقد دوَّن فيها صاحبها حقائق عن شعوب، وأصبحت مدونته فيما بعد مرجعاً تاريخياً تستند إليه أمم كثيرة في إعادة كتابة تاريخها، وكاتب هذه الرحلة هو أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي الملقب بابن فضلان، الذي عاش في القرن العاشر الهجري، وكان فقيهاً وسياسياً في بلاط الملك المقتدر بالله المتوفى سنة 932م، ويذكر ابن فضلان في مستهل رسالته أسباب الرحلة التي قام بها إلى تلك البلاد، فقد طلب ملك البلغار ألمش بن بلطوار من الخليفة المقتدر بالله إرسال بعثه دينية لتعلّم أهل مملكته الدين الإسلامي، ولبناء جوامع هناك، وحصون تحميهم من الأعداء، فاستجاب له المقتدر بإرسال تلك البعثة، يقول ابن فضلان: «لما وصل كتاب ألمش بن بلطوار ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين المقتدر يسأله فيه البعثة إليه مِمَّن يفقّه في الدين، ويعرّفه شرائع الإسلام، ويبني له مسجداً، وينصب به منبراً ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته، ويسأله بناء حصن يتحصّن فيه من الملوك المخالفين له، فأجيب إلى ما سأل من ذلك»، وانطلق الوفد من بغداد في اتجاه بلاد البلغار ماراً بخراسان وبلاد الترك والروس، ويصف ابن فضلان مسار الرحلة بدقة عالية، ولا يغفل أي شيء من التفاصيل التي يعرف أنها مهمة لقارئه العربي الذي يريد أن يتعرف بدقة إلى حياة أولئك الأقوام غير المسلمين، الذين لا يزال أغلبهم وثنيين يمارسون طقوساً عبادية وفلكلورية، تحمل من الغرابة بالنسبة لفقيه مسلم مثله الشيء الكثير، ويعرف بحصافة رأيه أنه سوف تحمل تلك الغرابة لأبناء جلدته عندما يقرؤونها، وخصوصاً أنه وجه الرسالة للخليفة المقتدر وكأنها تقرير واف عن تفاصيل الرحلة.
استغرقت الرحلة من بغداد وبلاد البلغار على ضفاف نهر الفولغا 11 شهرًا قيمة وبدأت الرحلة من بغداد في يونيو 921 م واتجهت إلى الشمال الشرقي مروراً بهمذان ثم نيسابور ثم بخارى ثم خوارزم ثم مرت ببلاد الخرز «كازاخستان»، وواصلت شمالاً حتى بلاد البلغار، ووصف ابن فضلان مسار الرحلة والطبيعة الجغرافية والمناخية التي كانت تصادفهم، وكلها كانت غريبة عليهم وصادمة لهم، خصوصاً أجواء البرد والصقيع التي واجهوها وأشرعت لهم باب الموت، وكذلك يصف حياة الأمم التي يمرون والقبائل التي يمرون بها من الأتراك والغز والخرز والروس والصقالبة، فيتوقف عند أشكالهم ونوع الحياة الاقتصادية التي يمارسونها، وأنواع ألبستهم وعاداتهم، عباداتهم، وكان يستفيض في وصف بعض تلك العادات.
لا ينسى ابن فضلان وهو الفقيه المسلم مقارنة حياة تلك الشعوب بحياة المسلمين في ذلك العصر، الذين كانوا أكثر تقدماً، وكان يسود مجتمعاتهم شرع قائم على العدل واحترام الإنسان، فهو يقيم واقع تلك الشعوب من هذا المنظور، خاصة في قضايا الزواج واحترام المرأة، والعلاقات الأسرية عموماً، وقضايا الملكية الشخصية، وغيرها من أمور الأحكام المدنية.
لقيت رحلة ابن فضلان عناية كبيرة من المستشرقين الذين وجدوا فيها كنزاً تاريخياً دقيقاً في وصف حياة الشعوب في منطقة أوروبا الشرقية والمناطق الاسكندنافية في ظروف تاريخية لم يكونوا يمتلكون عنها وثائق مكتوبة، وقد صدرت الطبعةُ الأولى من «رسالة ابن فضلان» بدمشق سنة 1959 عن مجمعِ اللُّغةِ العربيةِ بتحقيقِ الدكتور سامي الدهان.
وشكلت الرحلة أساساً لرواية مايكل كرايتون «أكلة الموتى»، التي أنتج منها فيلم «المقاتل الثالث عشر»، كما صدر كتاب «مغامرات سفير عربي» لأحمد عبد السلام البقالي، أنتج منها مسلسل تلفزيوني عنه بعنوان سقف العالم عرض في 2005.
الخبر ـ الخليج

Print Friendly, PDF & Email

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي