وكالة أنباء موريتانية مستقلة

ال”بي بي سي “: هل نروج لأنفسنا “كعلامات تجارية”

أصبح تأسيس علامات تجارية “شخصية” على مواقع التواصل الاجتماعي ممارسة شائعة في عالم التجارة والأعمال. لكن ماذا لو أردت تحقيق تقدم من دون أن تنشيء نسخة “تجارية” من ذاتك، وتشاركها مع الآخرين؟
وُجه سؤال مؤخرا إلى شيرل ساندبيرج، وهي مؤلفة ذائعة الصيت، وكبيرة مسؤولي التشغيل في شركة فيسبوك، عما ينبغي أن يقوم به العاملون في التجارة والأعمال الإدارة وتنظيم علاماتهم التجارية الشخصية، لكن ردها لم يكن متوقعاً.
وقالت خلال جلسة أسئلة وأجوبة في كلية وارتون في جامعة بنسلفانيا إننا كبشر ليس لنا أي علامات تجارية لذواتنا. وأضافت: “كثيراً ما يوجّهون لي هذا السؤال، وأقول إن لشركة كريست علامة تجارية، ولشركة بيرييه علامة تجارية، لكن يعامل الناس بهذه البساطة، فإذا وُضعنا في قوالب كمنتجات تجارية، سنكون مزيفين ومن دون فعالية”.
فلكل منّا صوته المميز، حسبما تضيف، ولنا ذوات معقدة، ومتناقض أحيانا، وغير مألوفة في أحيان أخرى.
وتنصح ساندبيرج بالقول: “لا تعلّب نفسك وتجعلها سلعة تجارية” كل ما عليك القيام به هو أن تتكلم بأمانة، وواقعية، ومن خلال تجربتك الخاصة.
وتعد ساندبيرج إحدى الشخصيات القوية على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذه المواقع هي التي ساهمت في توسيع انتشار فكرة “العلامة التجارية الشخصية”. فهل انقضت أيام ازدهار هذه الظاهرة؟
لعل ساندبيرج سبقت التوجهات الحالية برفضها لهذه الفكرة باعتبارها منافية للمنطق وتستهين بالبشر.
الترويج للذات
تعود فكرة إنشاء علامة تجارية شخصية إلى عقود خلت. ففي عام 1997، نشرت مجلة “فاست كومباني” مقالة بعنوان “علامة تجارية تدعى ‘أنت'” عمّمت فيها ذلك المفهوم. وطرح هذا المقال فكرة أنه ليس المدراء التنفيذيين أو المشاهير وحدهم من هم بحاجة إلى الاعتناء بقولبة انطباع الناس عنهم، وإنما الجميع بحاجة إلى ذلك.
ويعني تصاعد الترويج للذات، وشراكات العلامات التجارية على مواقع التواصل الاجتماعي، أن تأسيس الناس لعلامتهم التجارية الشخصية قد أصبح الآن أمرا غريزيا، فلكي يعطوا للصورة بعض الدلالات فإنهم يروجون لها على الشبكة العنكبوتية، ويتركون انطباعاً عند الأصدقاء والزبائن والزملاء وحتى العاملين أو الراعين المحتملين.
ويجري التأكيد على إبراز صورة قوية أمام المجتمع في هذه الأوقات الاقتصادية الغامضة بشكل خاص؛ فقد جعل تنامي “اقتصاد العمالة المؤقتة” من المظاهر الرقمية جزءا أساسيا للحصول على فرص العمل.
وقد ارتفعت العمالة الحرة بنسبة 43 في المئة في المملكة المتحدة منذ عام 2008، بحسب تقرير أجرته جمعية المهنيين المستقلين، وتقرير لشركة “انتشويت” للبرمجيات.
وقد تنبأ هذان المصدران بأن يصبح 40 في المئة من القوة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية سيعملون بشكل مستقل وحر بحلول عام 2020.
وحسبما تقول إلانا غيرشون، الأستاذة المساعدة في علم الإنسان في جامعة إنديانا بلومنغتون: “أصبحت العلامات التجارية الشخصية مادة تدرّس الآن في كازاخستان ومصر وحتى في كمبوديا. ويخبر مستشارو التوظيف في جميع أنحاء العالم الناس ليذكروا ثلاث أو أربع كلمات تعبر عن أصالة ذاتهم”.
ترسم العلامات التجارية التقليدية صورة لمنتجات غير معيبة وبنسق ثابت. تأمل مثلا الشعارات الشهيرة للعلامات التجارية مثل “لن نبيع مطلقاً بعِلم منا بسعر أقل من منافسينا”، أو “أفضل ما يمكن أن يحصل عليه المرء”.
أما البشر فلا يعملون بهذا الشكل، حسبما تترى ساندبيرج. نحن لدينا تركيب أكثر تعقيدا، وغير معصومين من الخطأ. وتوجد مخاطرة لتأسيس علامة تجارية شخصية “مثالية”، بسبب ما يرافق ذلك من ضغوط جبارة يواجهها المرء خلال سعيه ليكون على مستوى التوقعات.
يوجد على الدوام شيء من عدم الارتياح لفكرة إمكان الترويج للبشر، و”وضعهم في قوالب”، وغالباً ما تتعرض العلامات التجارية الشخصية للانتقاد لكونها تجسيداً مصطنعاً لأشخاص يبالغون في الاهتمام بذواتهم.
وفي عام 2012، سخرت مجلة “ذا أونيون” على الإنترنت من تلك النزعة من خلال عنوانها الرئيسي “‘أنا علامة تجارية’، قالها الرجل البائس”.
وتستمر الحكاية لتصف “شخصاً حزيناً مثيراً للشفقة من السكان المحليين من مطوّري برامج الشبكة العنكبوتية” ممن “ينظر إلى مدوّناته اليومية التافهة، ويحدث لحالته على فيسبوك على الدوام، ويزور موقع فورسكوير بإفراط، باعتبارها جميعاً أنشطة تعد ‘امتدادا لاسمه التجاري'”.
والفكرة التي يثيرها الكاتب لترويج فكرته هي: لا يهتم أحد كثيراً بخطابنا الذي نريد إبرازه، فنحن نُقيّم في أماكن عملنا بما نقوم به من عمل جيد وليس بمحاولة إظهار صورة مثالية باستمرار. كما يمكن للترويج للذات أن يكون مضنياً.
وتقول إيلانا غيرسون، مؤلفة كتاب “مُعدم في الاقتصاد الجديد”، إنه عندما يحاول الناس تكوين علامة تجارية شخصية، يجب عليهم أن يكونوا متاحين للتواصل دوماً.
وربما يعني هذا تحديثاً وتغذية متجددة لمواقع التواصل الاجتماعي كل يوم، وإشرافاً منسقاً بعناية للمحتوى يستسيغه الناس الذين يريدون أن يخالطوهم أو يعملوا معهم.
وتضيف غيرسون أن هذا “يقدم لنا نهجاً جديداً لوضع الضوابط لأنفسنا باستمرار. ويُجبرك هذا أن تكون مؤثراً أكثر فيما يتعلق بحياتك الخاصة، فترى نفسك وكأنك تعمل بلا انقطاع لتلبية متطلبات نظرية تخدم التجارة والأعمال”.
كيف تواجه الشركات الصراعات الشخصية بين الموظفين؟
وفي مقابلات أجريت مع المؤلفة البريطانية إيلّا وودورد، التي تدير مدوّنة “ديليشيوسلي إيلّا” للطعام الصحي، ولديها أكثر من مليون متابع على موقع إنستغرام، تحدثت عن الإرهاق الناشيء عن ضرورة تحديث صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد تحدثت مع مجلة “كامبين” للتسويق قائلة: “عندما تعمل في عالم رقمي لا يتوقف، فمن السهل أن لا تتوقف أبداً، وبذا تشرك الآخرين في جميع أوجه حياتك. ويمكن أن تظل بدون دفاعات تماماً، وكلما كانت شهرتك أكبر، كثرت الانتقادات التي توجه إليك”.
وبمثل هذه الخلفية، يمكن لوجهة نظر ساندبيرج حول العلامة التجارية الشخصية أن تكون مؤشراً على موت هذه الفكرة.
ورغم كل ما ذُكر، يعتقد آخرون بأن للفكرة وجه نظر تستحق التأمل.
تقول جنيفر هولواي، التي تعمل مستشارة للعلامات التجارية الشخصية، إن الانتقادات تُبنى على سوء فهم. وفيما يتعلق بإنشاء استراتيجية للعلامة التجارية الشخصية، تقول: “إنها ليست تزييفاً، إنها تخص ‘أي علامة تجارية بالفعل؟”.
وتنظر هولواي إلى المسألة من ناحية عملية. فعلى أي حال، يكوِّن الناس فكرة عنك بالاستناد إلى ما تقوله وتفعله وما تبدو عليه. ولِمَ لا تقضِ بعض الوقت متأملاً أفضل خصالك وخصوصياتك الذاتية بحيث يكون الانطباع عنك على مواقع الإنترنت وديا، وصادقاً وإيجابياً، وتكون لديك إجابات واضحة لأسئلة مثل، “ما هو عملك؟”
وتنصح هولواي قائلة: “لا تحاول التكهن بشيء مرتين، ‘ما طبيعة الشخص الذي يحبذه رب العمل هذا، وكيف أصبح ذلك الشخص؟’ لا تتوقع أن تكون صاحب علامة تجارية شخصية يحبها الجميع. فالأمر يتعلق بحدّة الذهن والجدارة بالثقة”.
كما تنصح بعدم الإفراط في التحمس، قائلة إنه من الأفضل الثبات على إحدى تطبيقات التواصل الاجتماعي، واتقان استعمالها بدلاً من محاولة إجادة استعمال تطبيقات عديدة في آن واحد.
حققت كل من موللي كريست وكاتارينا كلوز داند نجاحا في كيفية إيجاد هذا التوازن، وهما أختان من جيل الألفية من فيلادلفيا في الولايات المتحدة الأمريكية، وأسستا معا شركة “أونوورد ترافل” للسفريات في عام 2014.
وتوافق الأختان سانديبرج رأيها حول التشكيك في جدوى العلامة التجارية الشخصية، في حين تدركان أنه لا يمكن تجنب الأمر كليةً.
وبإمكان زوار الموقع على الإنترنت أن يشاهدوا مقطع فيديو للأختين تتناولان فيه شوربة “فو” (الفيتنامية) وتحتسيان كوكتيل مارغريتا، وتشرحان كيف ترعرعتا في حقل في بنسيلفانيا، حيث كانت أمهما وجدتهما تقدمان دروساً في الطبخ منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وتقول داند (عن مقطع الفيديو): “كان يمكن أن يكون أقل محتوى، لكنه يبيّن من نكون، وذلك أمر ساذج نوعاً ما. آمل أنه يوصل ما نريده، وهو أننا أناس صادقون وذلك يبعث على الثقة”.
وتقرّ كريست بأن “من المهم إشراك زبائننا في حكايتنا ومن نكون”، لكنها تقول إنه ليس مجدياً دفع العلامة التجارية الشخصية أكثر من حد معين.
فعلى سبيل المثال، تتواصل شركة أونوورد ترافل عبر مواقع التواصل الاجتماعي الاعتيادية، لكن كريست توضح قائلة: “ليست الرقم واحد بين أولوياتنا، وقد تعلّمنا أن إدارتها تأخذ وقتاً وتفكيراً لا يصدقان، ولا يميل أحد منا بشكل مفرط إلى مشاركة كل شيء مع الآخرين على الانترنت في المقام الأول.”وتعبر كريست عن سرورها لذلك، بعكس بعض الأشخاص المؤثرين على مواقع التواصل، الذين يعتمدون على الترويج للذات، وتقول: “نبيع في نهاية المطاف جولات سياحية يقودها مرشدون. لكننا، لا نبيع ذواتنا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.