وكالة أنباء موريتانية مستقلة

“نحاول إزالة الغموض عن مرض إيبولا”

يتطلب فيروس إيبولا، الذي يُعدّ من أخطر الأمراض الفتاكة في العالم، من الطاقم الساهر على علاج المصابين به اتخاذ إجراءات وقائية صارمة جدا.

(Reuters)

أدت المخاوف المبالغ فيها من مرض فيروس إيبولا إلى الإسهام في افلات الوضع من أي رقابة في غرب افريقيا، مثلما يؤكد انطوان غوج، من منظمة أطباء بلا حدود في جنيف. بل هناك خطر في أن يشهد الوباء انتشارا بشكل أوسع.

تعتبر منظمة الصحة العالميةان انتشار وباء إيبولا حاليا “هو الأخطر” منذ اكتشاف الفيروس في سبعينات القرن الماضي. فإلى حدود 20 يوليو 2014، تم إحصاء حوالي 1093 حالة إصابة بالفيروس الذي كان يُعرف سابقا باسم ب” حمى إيبولا النزفية” في كل من في كل من غينيا وليبيريا وسيراليون، من بينها 660 حالة وفاة.

وقد تم في الفترة ما بين 18 و 20 يوليو 2014 لوحدها، تسجيل 45 حالة جديدة من بينها 28 حالة وفاة في البلدان الثلاثة. وتحاول منظمة الصحة العالمية تعزيز التعاون مع وزارات الدول المعنية لاحتواء انتشار المرض.

من جهتها، وجّهت منظمة أطباء بلا حدود، التي تتواجد في الخطوط الأمامية لمواجهة فيروس لا يتوفر أي علاج له لحد الآن، والقاتل في أغلب الأحيان، نداء من أجل تعبئة لكل المؤسسات الحكومية والانسانية المعنية.

يتنقل الناس عبر الحدود، ولا يعلنون بالضرورة عن وجود حالات إصابة مشتبهة.

swissinfo.ch: كيف يمكن تفسير هذا الإنتشار السريع لفيروس إيبولا في غينيا، وفي سيراليون وليبيريا؟

انطوان غوج: اولا وقبل كل شيء هذا الفيروس لم يكن معروفا من قبل في هذه المنطقة. لذلك على المؤسسات الطبية، والساهرين على العلاج والمواطنين أن يتعرفوا على خصوصيات هذا المرض. . وإذا كانت الأمور قد أصبحت خارج التحكم، سواء من ناحية عدد حالات الإصابة والمناطق التي ينتشر بها المرض والتي تجاوزت 60 مكانا في الوقت الحالي، فإن ذلك مرده أيضا الى المخاوف التي يثيرها هذا الفيروس.

كما أن العامل الثاني المساعد على هذا الإنتشار الواسع هو لجوء سكان المنطقة الى كثرة التنقل. فسكان المنطقة يتنقلون عبر الحدود ولا يُعلنون بالضرورة عن الحالات المشتبه فيها. وهناك ايضا مشكلة طقوس دفن الأموات، والتي لا تتم دوما في ظل احترام إجراءات الحيطة المطلوبة. إذ يتطلب الأمر في وفاة ناجمة عن حالة مشتبه فيها، ضرورة غسيل وتعقيم جثة الميت بطريقة دقيقة.

لكن أفراد عائلة الميت يسارعون لاستعادة الجثة بغرض الشروع في إجراءات التشييع، وهو ما نحاول الإستجابة له بأسرع ما يمكن، متجاهلين احترام الإجراءات الصحية وشروط النظافة الضرورية، لأن أي تأخير قد يثير الكثير من الحساسيات داخل السكان.

swissinfo.ch: وهل هناك تخوف من أن يعرف الوباء مزيدا من الإنتشار في غرب افريقيا؟

أنطوان غوج: هذا ما لا يمكن استبعاده. هذا الخطر وارد.

 فيروس بدون تلقيح مرخص لحد الآن

يستمد فيروس إيبولا المتسبب في مرض “حمى إيبولا النزفية” اسمه من نهر يوجد في شمال ما يعرف اليوم بجمهورية الكونغو الديمقراطية (زائير سابقا)، وقد تم اكتشافه لأول مرة في عام 1976. ويمكن أن يتسبب في نسبة وفيات لدى الانسان تتراوح ما بين 25 و 90%. ويُعدّ من الأمراض الأكثر فتكا في العالم.

ينتمي هذا الفيروس إلى عائلة “فيلوفيريداي” (Filoviridae)”، وينتقل عادة عن طريق الإتصال المباشر بالدم، أو سوائل الجسم، أو أنسجة بشرية أو عن طريق حيوانات مُصابة. كما تلعب الطقوس الجنائزية، التي يقوم فيها الأهل بافتصال مباشرة بجسم الميت، دورا هاما في انتقال المرض.

لا يوجد تلقيح مرخص لحد الآن لمواجه مرض إيبولا، الذي تظهر أعراضه في شكل نزيف يكون في بعض الأحيان مزعجا، وعن طريق موجات قيئ وإسهال.

swissinfo.ch: هل تملكون الوسائل الكفيلة لمحاربة هذا الوباء؟

انطوان غوج: لقد استنفذنا ما كان متوفرا لدينا من إمكانيات، وبالأخص الإمكانيات البشرية. فقد ظهرت بؤر عديدة وليس في مقدورنا التكفل بكل هذه البؤر، لذلك نفضل التدخل بطريقة أكثر صرامة في المناطق التي نتواجد فيها، لتفادي حصول أي إصابة أو عدوى للطاقم الساهر على العلاج. كما نحاول تعبئة شركاء آخرين على غرار منظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر، لكن الردود المتوفرة لحد الآن لمواجهة هذا المرض ليست في المستوى.

swissinfo.ch: سبق للرئيس الغيني آلفا كوندي، أن أعلن في موفى شهر أبريل 2014 في مقر منظمة الصحة العالمية في جنيف، أن الأوضاع “تحت السيطرة”. فهل أدى عدم تحرك حكومات المنطقة إلى تعقيد الأمور بالنسبة لتدخلكم؟

أنطوان غوج: كما تعرفون لا تتدخل منظمة أطباء بلا حدود، في الإعتبارات السياسية. ولا يُمكنني التحدث عن قصور، بل عن انتهاج استراتيجية غير ملائمة. فالحكومات وباقي الشركاء الإنسانيين لم يعوا بعدُ حجم خطورة الوباء.

swissinfo.ch: ما الذي يعقد مواجهة خطر مرض إيبولا أكثر؟

أنطوان غوج: إنه مرض يتطلب إحتياطات وقائية وحمائية دقيقة للغاية. إذ نتكلف باستلام الأشخاص المصابين، ونضعهم في عزلة. أما المرحلة الثانية من التدخل، والهامة بالنسبة لوقف سلسلة انتشار المرض، فتتعلق بفحص ومراقبة الأشخاص الذين كانوا على اتصال بالمرضى. والهدف من ذلك الاكتشاف السريع للاشخاص الذين يحملون الأعراض. وهذا العمل يتطلب دقة عالية.

كما نقوم بحملة توعية كبيرة وبشرح لإجراءات الصحية الضرورية. ومن الطبيعي أن تكون هناك مخاوف لدى الجمهور مثلما هو الحال في كل وباء. ولكن بما أن هذا المرض ظل غير معروف حتى الآن، فهناك العديد من العوائق التي تحول دون إمكانية الوصول إلى الأشخاص الذين كانوا على اتصال بالمرضى.

كما أن سكان المنطقة يفضلون في بعض الأحيان التوجه إلى العلاج التقليدي. وهناك معتقدات يتم الترويج لها، وتزيد في تعقيد الأمور مفادها أن البيض (أي الأوروبيين) هم الذين جلبوا معهم فيروس إيبولا للمنطقة.

خبيرة سويسرية في غينيا

خلال الأسابيع الأخيرة، شاركت خبيرة من المركز السويسري للوقاية النووية والبيولوجية والكمياوية، في القيام بمهام مخبرية ضمن بعثة أوروبية متنقلة في غيكيدو بجمهورية غينيا. وقد قامت بتحليل العديد من العينات التي تم استخراجها من بعض المرضى بغرض التعرف على تواجد فيروس إيبولا عن طريق استخدام تحليل الجزيئات.

وبما أن هذا التحليل يتم مباشرة بالقرب من تواجد المرضى فهو “يسمح بربح وقت ثمين للتوصل إلى نتائج”، كما يقول المكتب الفدرالي لحماية السكان، في بيان أصدره مؤخرا. وقد تدخل المخبر الأوروبي المتنقل بطلب من منظمة الصحة العالمية لمواجهة انتشار مرض إيبولا الذي مس كلا من غينيا وسيراليون وليبيريا في غرب افريقيا.

swissinfo.ch: هل يمكن التحكم في عملية انتشار المرض بواسطة مراقبة تنقل الأشخاص؟

انطوان غوج: لا بالعكس هذا قد يعمل على تعزيز المخاوف والمعتقدات. إننا نحاول على العكس من ذلك من تبديد الغموض المحيط بهذا المرض بغرض الوصول بسرعة الى الأشخاص المصابين وإلى الأفراد المحيطين بهم. لأنه كلما توصلنا بسرعة إلى الحالة المشتبه بها، كلما كانت حظوظ الشفاء كبيرة.

swissinfo.ch: ساهمت السينما في تحويل “إيبولا” إلى فيروس الوباء القادر على تدمير الإنسانية على مستوى العالم. فهل أخطار هذا الفيروس بهذا الحجم من الخطورة؟

انطوان غوج: لقد أسهمت تلك الأفلام في إعطاء صورة خاطئة عن فيروس إيبولا. أكيد أن هذا المرض قد يتسب في نسبة وفيات تتراوح ما بين 25 و 90% وفقا لفصيلة الفيروس، وصحيح أنه لا يُوجد أي علاج أو تلقيح لمواجهته. ولكن طريقة الإنتقال أبطأ من طريقة انتقال أو انتشار عدوى الكوليرا. وعلى عكس بعض الفيروسات، فإن طريقة الإنتقال تتم فقط عبر الإتصال المباشر عبر سوائل المريض.

swissinfo.ch: حتى اليوم، بقيت حالات الإصابة بمرض إيبولا مقتصرة على مناطق في وسط إفريقيا. فهل نعرف كيف وصل الوباء الى غينيا في الغرب؟

أنطوان غوج: لا نعرف ما إذا كان الفيروس متواجدا من قبل في هذا البلد، أم تم استيراده. هناك ضرورة للقيام بتحاليل معمقة لتحديد الوجهة التي قدم منها بالتحديد.

سامويل جابرغ , swissinfo.ch
نقله من الفرنسية وعالجه: محمد شريف

Print Friendly, PDF & Email

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي