وكالة أنباء موريتانية مستقلة

محمد اركون: فكر و عمل و آثار

يبحر كتاب”الدين والنص والحقيقة..قراءة تحليلية في فكر محمد أركون “، لمؤلفه الدكتور مصطفى الحسن، في مضمون فكر الفيلسوف الجزائري محمد أركون، الذي تميزت أفكاره بطابع التنظير وإثارة الأسئلة والإشكاليات، إذ يرى أنَّه يقسِّم التاريخ الإسلامي إلى :
العصر الكلاسيكي( العصر الممتد والبالغ ذروته في القرن الرابع الهجري، ويسميه عصر الأنسنة)، عصر الانحطاط (حين يُقتل الإبداع وتنتشر الطريقة المدرسية في التعليم. ويصف أركون تلك المرحلة بالظلامية، ويرى أنَّ الحركات الإسلامية اليوم هي امتداد لها وبالتالي هي منقطعة عن الفكر الإنسي في القرن الرابع الهجري).
ويلفت المؤلف إلى أن أركون يصب غضبه ولومه على الغرب، وعلى أنظمة ما بعد الاستعمار، فالغرب الذي أنهك العالم الإسلامي بالاستعمار الظالم، يحاول أن يرضي ضميره بتقديم بعض المساعدات الشكلية. لكنَّه في الوقت نفسه، يصر على دعم الأنظمة المنتهكة لحقوق الإنسان في بلادنا، هذه الأنظمة هي التي قضت على الفكر الحداثي، في رأيه، وغذت ودعمت الاتجاهات الإسلامية الحركية.
وينتقل المؤلف إلى شرح مفهوم الاستشراق ونقده، أو التعامل معه بوصفه خصماً استعمارياً، كما يراه أركون، والذي يعتبره خطأً منهجياً. ولذلك لا تروق لأركون كتابات مثل “الاستشراق” لإدوارد سعيد. مع أنَّه يتوسَّل بالوسائل الغربية ذاتها والحديثة جداً، لدراسة الاستشراق، إذ يعيب أركون على الحداثيين أنفسهم ترددهم في قبول نتائج الاستشراق- أي انَّ اعتمادهم على منهجيات وآليات ونتائج الاستشراق ليس كافياً في رأيه، فيقول: “حتامَ يستطيع المسلمون أن يستمروا في تجاهل الأبحاث الأكثر خصوبةً وتجديداً من الناحية الاستكشافية المعرفية؟ قصدت بالطبع أبحاث العلماء الغربيين الذين يدعونهم بالمستشرقين…”.
ولا ينفي أركون هنا الصفات التي يمنحها الاستشراق للشرق، لكنه يرفض أن تكون محققة بسبب عرقه السامي، بل هي- في رأيه- بسبب منظومته الفكرية، فهو يوافق على الصفات والهوية التي صنعها الاستشراق، لكنه يراها صفات المنظومة الأرثوذكسية، أي الإسلام السني عبر تراثه الممتد من القرن الأول الهجري.
ويشير الحسن إلى أنَّ الأنسنة التي يدعو إليها أركون هي مؤمنة شكلاً لاحقيقة، فالإيمان بالنسبة إليها حاجة من حاجات الإنسان لابد من إشباعها ولا يمكن تجاوزها. لذلك يتمركز الإنسان في إيمانه حول ذاته.. إنها لا تختلف في جوهرها عن الأنسنة الملحدة التي ينتقدها أركون، سوى أنَّ تلك الملحدة أكثر صراحة مع نفسها. لكن أركون أدرك أنَّ المشكلة الروحية لا يمكن تجاوزها، فعاد إلى الإيمان الشكلي.
وهو ينطلق من عقيدة وحدة الوجود وإن كان ينفيها. وتظهر هذه الإشكالية بوضوح أكثر حين يتحدث أركون عن حاجة الإنسان إلى إيجاد منظومة أخلاقية، والمشكلة عنده تكمن في فكر التنوير الذي لا يؤمن بإيجاد مرجعية تؤسِّس للأخلاق. ولا يقدر على ذلك بسبب نزعته العقلية التي تحقق النجاحات في مجال الأحياء والكيمياء، لكنها لا تستطيع أن تحســـم مسألـــة الأخلاق والقيم.
والمشكلة الأخرى أنَّ فكر التنوير أزاح المرجعية الدينية ودمَّرها بالكامل،. يصل الحسن إلى خلاصة مفادها أن أركون يرى أنَّ هناك ثلاثة أركان لكل تراث، فيقول: العنف، التقديس، الحقيقة. هذه هي الأركان الثلاثة لكل تراث مشكَّل ومشكِّل للكينونة الجماعية أو للوجود الجماعي على الأرض. ولا تخلو منها أمة من الأمم أو قبيلة من القبائل أو دين من الأديان. والجماعة مستعدة للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها المقدَّسة.
والإنسان بحاجة إلى عنف وإلى تقديس وإلى حقيقة لكي يعيش ولكي يجد له معنى على هذه الأرض. لذا فالعنف مرتبط بالتقديس والتقديس مرتبط بالعنف، وكلاهما مرتبطان بالحقيقـــة أو بما يعتقدان أنَّه الحقيقة، والحقيقة مقدَّسة وتستحق أن يُسفك من أجلها الدم! هذا هو المنطق الذي ساد الوجود البشري في كل المجتمعات والأديان والعصور.
فمن هو الدكتور المفكر محمد أركون
الدكتور محمد أركون (1928 – 2010) مفكر جزائري/فرنسي له توجه ما بعد حداثي (وراء حداثي) ينقد العقل وفكر الحداثة اعتمادا على الأنثروبولوجيا التاريخية ويسعى إلى تأسيس علم “الإسلاميات التطبيقية”.

نشأته ودراسته

ولد محمد أركون في بلدة توريرة ميمون بمنطقة القبائل الكبرى بالجزائر. قضى فترة الدراسة الابتدائية في توريرة ميمون والثانوية في وهران.ثم الدراسة الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر ثم في السوربون بباريس. حصل على دكتوراة في الفلسفة من جامعة السوربون سنة 1968.
عمل من 1961-1991 أستاذاً جامعياً في جامعة السوربون، كما عمل أستاذا زائرا في عدة جامعات حول العالم. ومنذ سنة 2000 عمل مستشاراً علمياً للدراسات الإسلامية في مكتبة الكونجرس في واشنطن العاصمة.كما عمل أستاذا متقاعدا في السوربون،ثم أستاذا زائر وعضو في مجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية في لندن منذ 1993 الى ان توفى.كما شغل منصب المدير العلمي لمجلة Arabica منذ سنة 1980. كما شغل عضو مجلس إدارة في عدة هيئات عالمية.

مشروعه الفلسفي

كل ما كتبه الدكتور أركون يندرج تحت عنوان: نقد العقل الإسلامي. ويصف الدكتور أركون مشروعه كما يلي،
مشروع نقد العقل الإسلامي لا ينحاز لمذهب ضد المذاهب الأخرى ولا يقف مع عقيدة ضد العقائد التي ظهرت أو قد تظهر في التاريخ؟ إنه مشروع تاريخي وأنثروبولوجي في آن معا، إنه يثير أسئلة أنثروبولوجية في كل مرحلة من مراحل التاريخ. ولا يكتفي بمعلومات التاريخ الراوي المشير إلى أسماء وحوادث وأفكار وآثار دون أن يتساءل عن تاريخ المفهومات الأساسية المؤسسة كالدين والدولة والمجتمع والحقوق والحرام والحلال والمقدس والطبيعة والعقل والمخيال والضمير واللاشعور واللامعقول، والمعرفة القصصية (أي الأسطورية) والمعرفة التاريخية والمعرفة العلمية والمعرفة الفلسفية… لا شك في أن مؤرخي الفكر والادب قد أرخوا لتلك المفهومات ولكننا لا نزال نفرق بل نرفع جدارات إدارية ومعرفية بين شعب التاريخ والأدب والفلسفة والأديان والعلوم السياسية والسيولوجية والأنثروبولوجية… والجدارات قائمة مرتفعة غليظة في الجامعات العربية التي لا يرجع تاريخ معظمها إلى ما قبل الخمسينات والستينات، والأنثروبولوجيا بصفة خاصة لم تزل غائبة في البرامج وعن الأذهان، ناهيك عن تطبيق إشكالياتها في الدراسات الإسلامية. (من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ص XVI )
ونقد العقل الإسلامي، كمشروع يتضمن محاولة لدمج العملية النقدية للفكر الديني الإسلامي في عملية نقدية أكثر عمومية للفكر الديني على العموم، ويوضح ذلك الدكتور أركون كما يلي،وقد شكلت بالتعاون معه [مع الأب كلود جيفري] ومع فرانسواز سميث فلورنتان وجان لامبير “مجموعة باريس” داخل الجماعة الأوسع للبحث الإسلامي – المسيحي التي كانت قد أسست من قبل الأب ر. كاسبار. وضمن هذه المجموعة بالذات كنت قد حاولت أن أزحزح مسألة الوحي من أرضية الإيمان العقائدي “الأرثوذكسي” والخطاب الطائفي التبجيلي الذي يستبعد “الآخرين” من نعمة النجاة في الدار الآخرة لكي يحتكرها لجماعته فقط. قلت حاولت أن أزحزح مسألة الوحي هذه من تلك الأرضية التقليدية المعروفة إلى أرضية التحليل الألسني والسيميائي الدلالي المرتبط هو أيضا بممارسة جديدة لعلم التاريخ ودراسة التاريخ. اقصد بذلك دراسة التاريخ بصفته علم أنثروبولوجيا الماضي وليس بصفته سردا خطيا مستقيما للوقائع المنتخبة بطريقة معينة. ( من فيصل التفرقة وفصل المقال ص 55)
منهجه والمنهج الذي يعتمد عليه الدكتور أركون في تحقيق مشروعه يتمثل على العموم في الاعتماد على المناهج العلمية الحديثة والمعاصرة الخاصة بعلوم الإنسان، عموما، ودراسة الأديان والنصوص الدينية، خصوصا. ويشمل ذلك علوم التاريخ والأنثروبولوجيا، والفيلولوجيا، واللسانيات، وعلم اجتماع المعرفة، وعلم النفس الاجتماعي، وأركيولوجيا المعرفة، والتفكيكية اللغوية، والسيميائيات، والهرمنيوطيقا..الخ. ويشير الدكتور أركون إلى اعتماده على هذه المناهج كما يلي،أما الاستراتيجية المعرفية التي نتبعها في دراسة مجتمعات أم الكتاب/الكتب فإنها تحثنا بالأحرى على الكشف عن كل آليات التقديس ودراستها وتفكيكها. وكذلك الأمر فيما يخص آليات التعالي وخلع الصبغة الأنطولوجية واللاهوتية أو الأسطرة والأدلجة أو التأليه أو القولبة الشكلانية المقننة أو نزع الصبغة التاريخية عن الأشياء…وكل هذه العمليات هي التي تغذي ديناميكية الجدلية الاجتماعية. في الواقع أن الإيمان التقليدي قد قيد نفسه بأشياء ذات جواهر جامدة لا تحول ولا تزول، جواهر قادرة على استيعاب المتغيرات الطارئة والمدعوة آنذاك “بالأرثوذكسية”. أما الإيمان الحديث فهو يضطلع بكل متغيرات التاريخ وحركياته ويقبل بإعادة النظر بكل شيء بما فيها الأصول المؤسسة من أجل انتهاكها وإعادتها إلى الظروف المشتركة للجدلية الاجتماعية. (من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ص 61)
كذلك،سوف نذكر هنا، من أجل ما سيتلو من حديثنا، بالفتوحات التي حققها علم التاريخ بفضل المكتسبات الجديدة للعلوم الاجتماعية كعلم الألسنيات والسيميائيات والأنثروبولوحيا وعلم النفس الاجتماعي. إن أعمال بول ريكور مثلا فيما يخص الزمن والحكاية تزحزح بشكل حاسم تلك التناقضات والصراعات الكلاسيكية المعروفة بين الإيمان/والعقل أو الأسطورة/والتاريخ. إنها تزحزحها عن مواقعها التقليدية لكي تنقلها إلى فضاء جديد للمعقولية وفهم العامل الديني داخل الحركية الاجتماعية التاريخية، ثم فهم التاريخ الواقع تحت ضغط العامل الديني. (من فيصل التفرقة إلى فصل المقال ص 81-82)
ونتج عن هذا التوجه المنهجي لأركون طرحه لفكرة وجوب إنشاء مجال جديد هو “الإسلاميات التطبيقية”.
وصلات خارجية
محمد أركو نصوص من أعماله
مقدمة، كتاب “الإسلام، أوروبا والغرب”.
تطبيق علوم الإنسان والمجتمع على دراسة الإسلام، الفصل الثالث من كتاب “الفكر الإسلامي…قراءة علمية”
عقل إلهي، خطابات بشرية، الفصل الثالث من كتاب “من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي”.
بعض أهم مؤلفاته
باللغة العربية
الفكر العربي: ترجمة د. عادل العوّا. دار عويدات- بيروت- سلسلة زدني علما 1979.
تاريخية الفكر العربي الإسلامي : ترجمة هاشم صالح. مركز الإنماء القومي- بيروت 1986.
العلمنة والدين، دار الساقي 1990.
من فيصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟: ترجمة هاشم صالح. دار الساقي- بيروت 1993.
الإسلام، أوروبا، الغرب: ترجمة هاشم صالح. دار الساقي- بيروت 1995.
نزعة الأنْسَنَة في الفكر العربي: ترجمة هاشم صالح. دار الساقي- بيروت 1997.
الفكر الأصولي واستحالة التأصيل: ترجمة هاشم صالح. دار الساقي- بيروت 1999.
من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني ترجمة هاشم صالح. دار الطليعة- بيروت 2001.
باللغة الفرنسية
eux Epîtres de Miskawayh, édition critique, B.E.O, Damas, 1961
Essais sur la pensée islamique, 1e éd. Maisonneuve & Larose, Paris 1973
L’humanisme arabe au 4e/10e siècle, J.Vrin, 2°éd. 1982
Lectures du Coran, 1e éd. Paris 1982.
Pour une critique de la Raison islamique, Paris 1984
Religion et laïcité: Une approche laïque de l’islam, L’Arbrelle 1989
La Pensée arabe, 1e éd. P.U.F., Paris 1975; 6e éd. 2002
Combats pour l’Humanisme en contextes islamiques, Paris 2002
De Manhattan à Bagdad: Au-delà du Bien et du Mal, Paris 2003
باللغة الإنجليزية
Arab Thought, éd. S.Chand, New-Delhi 1988;
Rethinking Islam : Common questions, Uncommon answers, 1994.
The concept of Revelation: from Ahl al-Kitâb to the Societies of the Book-1988.
The Unthought in Contemporary Islamic Thought, London 2002.
حوارات ومقالات
إضاءات، محمد أركون، حوار قناة العربية – تركي الدخيل (الجزء الأول)
إضاءات، محمد أركون، حوار قناة العربية – تركي الدخيل (الجزء الثاني)
تواطؤ بين الغرب و الخطاب الإسلامي المعتدل علي علم الإسلاميات التطبيقية – محمد أركون
ضرورة تطبيق المنهج التاريخي لمعرفة القواسم المشتركة بين أديان التوحيد الثلاثة – محمد أركون
القرآن الكريم على ضوء الفلسفة التنويرية الحديثة – محمد أركون
العلمانية معتدلة إيجابية.. و العلمانوية متطرفة سلبية – محمد أركون
ناقد معاصر للعقل الإسلامي – برهان شاوي
منبوذ من المسلمين ومن الغرب:أركون.. متآمر على الإسلام أم مفكر أصولي!! – فكري كرسون
اللامفكر فيه في الفكر الإسلامي – محمد خالد الشياب

Print Friendly, PDF & Email

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: هذا المحتوى محمي